التغطية المضللة للإعلام

المركز الإعلامي لكتلة نواب
الإخوان المسلمين بالإسكندرية

أرجوكم ... تحروا الدقة ....... ليس اقتتالا فلسطينيا فلسطينيا
كتب / إسلام مصطفى
و / حسن أبو سنة
خاص أمل الأمة
لعل الناظر المتأمل المحلل إلى أحداث غزة يجد الأمر محيرا ... وقد تنتابه نوبات من الغضب أو الاستياء خاصة بعد أن يرى القتال والرصاص يطلق على صدور فلسطينية وربما تشمئز مشاعره حين سماعه خبر سقوط بضع القتلى هنا أوهناك .... وربما أيضا كان البعض معذورا في وصف ما يحدث بأنه انتكاسة... وربما تمنى البعض أن لو لم يكن موجودا حتى يرى النيران المتأججة والدماء النازفة بين الحين والحين...... وربما وصف البعض هذا بقلة العقل .... وغياب الوعي.... والجنون الغير متوقع.... وتضييع الحق .... وإساءة لسمعة القضية ... واعتداء على الشرعية الفلسطينية .....وسوء استخدام للسلطة ...... واستخدام السلاح المقاوم في غير مواضعه .....
وربما استخدم البعض عبارات السخرية ..... مهنئا القوة المنتصرة واصفا إياها بالأشاوس الأبطال .... وفي طيات كلامه تظهر همزات السخرية ولمزات التناجي
وربما استخدم البعض العبارات الدينية ...... والأحاديث النبوية والآيات القرآنية .... ليصف ما يحدث ويوصفه .... ويخلص الى أحكام من شأنها أن تخلد القاتل والمقتول في النار وبئس المصير
ولعلي أدعو الجميع الى التعقل .... والتروي ..... لننظر الى الأمر بشيء من التركيز وقليل من الهدوء ... ولنرصد الموقف من خارج صندوق الحدث
فلست ألوم كل من ينظر الى القضية بهذا الطرح وتلك الزوايا من عوام الناس أو حتى من مثقفيهم وصفوتهم فهم معذورون .... فكل ما تسمح بعرضه وسائل الإعلام عن هذه القضية بما فيهم الفضائيات الإخبارية المشهورة ... - التي نحترمها ونتابعها- يجعل توارد هذه الأطروحات بديهيا للغاية
فصور المسلحين وهم يطلقون النار ويهرولون في كل مكان ... و أصداء أخبار عن قتل هنا وخطف هناك ... وضرب هنا واعتداء هناك وحرق هنا وإعدام هناك .... دون عرض تفاصيل الحقائق .... بدقة ..... يعطي هذه المساحة الواسعة من الاستياء في صفوف المتابع المثقف .... فضلا عن المشاهد العادي الذي لا يعرف من الذي قتل ومن الذي قتله ما سبب القتل ومن الذي اعتدى ومن الذي بدأ بالاعتداء من الذي استفز ومن الذي استفزه وكيف حدث الاستفزاز ومن الذي يدعمه الكيان الصهيوني بالأسلحة والعتاد والمعلومات والملايين ومن الذي يحاصر ويمنع حتى من الكلام ومن الذي أطلق الرصاص على العملاء ومن الذي أطلقه داخل المساجد على أئمة المساجد فأرداهم قتلى
لم تعرض التغطيات الإعلامية للأحداث أي تفاصيل لذلك الاقتتال ..... وأتحدى أنه لو تمكن المشاهد من معرفة الحقيقة كاملة لوجد أن وراء كل قتيل قصة .... ربما لو كان المشاهد مكان أهل القتيل .... لتمنى هو أن يكون من قتله .... من فرط عمالته وانصهاره في بوتقة التعاون مع الصهاينة
ولقد استطعت النظر عن قرب على هذه الأحداث عبر نافذتين .... النافذة الأولى كانت قناة الأقصى الفضائية ... التابعة لحركة حماس كما تابعتها على قناة فلسطين التابع لتيار دحلان وعباس
ورأيت في الأولى نموذجا لما تمنيت أن يحدث فتفاصيل الأحداث في قناة الأقصى تنقل بالصورة على الهواء ... مما دفعني الى متابعة الأحداث ..... لحظة بلحظة ... موثقة ومصورة
بينما اعتمدت قناة فلسطين على التصوير داخل الاستديوهات واستضافة المنشقين من كوادر فتح ... دونا نزول الى الشارع أو توثيق للأحداث ... مما أشعرني الى التشكك في هذا المصدر ..... خاصة بعد ما رأيته من تجاوزات غير موضوعيه تتعلق بأدب الحديث عن الطرف الاخر
وأعرض على حضراتكم لبعض المشاهد لأشعركم بأهمية تفاصيل الخبر الذي يضيء الموقف للمشاهد ليحكم بنفسه .... هل هذا اقتتال فلسطيني فلسطيني .... أم هي حرب أهلية .... أم هو تطهير للمتصهينين مشعلي الفتنة مهندسي الفلتان الأمني؟؟؟
وهذه بعض المشاهد المنقولة عن قناة الأقصى الفضائية والتي اعتمدت على استراتيجية ( نقل تفاصيل الخبر من موقع الخبر ) .... التفاصيل الدقيقة والدقيقة جدا .....
أولا / لقاء مع احدى أخوات القتلى وهي فرحة مسرورة كما يبدو من ملامحها .... فلقد فوجئت أن هذا الفرح كان بسبب مقتل أخيها ..... فهي تعترف أمام الكاميرات أنه عميل ...... وانه احترف إعطاء المعلومات عن المجاهدين الى الصهاينة ..... وأنها تمنت لو قتلته بأيديها

ثانيا / مشهد اخر من داخل استخبارات قوات عباس بعد أن استولت عليه حماس ..... وهي تعرض الوثائق التي حصلت عليها بعد نجاحها في دخول المبنى ... ومن ضمن هذه الوسائل اسطوانات قام بتصويرها قسم التصوير بجهاز الأمن الوقائي التابع لعباس يبين مشاهد تثبت للصهاينة إنجازات الجهاز ومجهوداته في تدمير الأنفاق التي يستخدمها المقاومون في مقاومة الكيان الصهيوني
ثالثا/ كما عرضت أيضا صورا لتلك اللوحات المعدنية الإسرائيلية التي تدخل بها سيارات عملاء الاحتلال داخل الكيان الصهيوني ذهابا وإيابا وهذه اللوحات لا تمنح إلا للفئة المقربة من العملاء
رابعا / كما عرضت الصور أجهزة التصنت المتطورة والممنوحة من الكيان الصهيوني والتي كانت تستخدم في التنصت على مكالمات المجاهدين .... وتحديد مواقعهم وإبلاغ الاباتشي الصهيوني لقصفهم
خامسا / كما عرضت شهادات التقدير الممنوحة من جهاز أمن عباس لعملائه الصهاينة المتعاونين .... موثقة بالأسماء ....
سادسا / شهادات لبعض قيادات فتح الشرفاء والذين رفضوا التعاون مع الصهاينة , فقد كانت سعادتهم لا توصف بهذا التطير الذي طالما انتظروه وتمنوه
سابعا / مشاهد احتفال الناس ... أبناء الشعب من أهل غزة ... وزغاريد النساء وتوزيع الحلوى وقفزات الفرح التي قفزها الصغار وبدت في عيون الكبار
ثامنا / إصدار قرار بالعفو العام عن عدد كبير من قيادات التيار الخياني بعد أن اعتقلتهم في الوقت الذي يتعرض فيه أبناء حماس لأبشع عملية تطهير عرقي في الضفة الغربية واستباحة لكل الخطوط الحمراءوسط غياب اعلامي .... يشعرك بالفرق بين تغطية أحداث غزة وتغطية أحداث الضفة
تاسعا / هروب عدد كبير من قيادات وأنصار التيار الانقلابي الى مصر عبر البحر وفي قوارب مطاطية اسرائيلية؟؟؟
عاشرا/ اصدارقرارات من عباس شخصيا تمنع وسائل الاعلام من تغطية أحداث الضفة الغربية لإتاحة الفرصة لقواته بأن تعيث في الأرض فسادا دون محاسبة ولا رقابة
الحادي عشر / اصدار قرارالإعدام بحق مدير مكتب قناة الأقصى في الضفة الغربية بعد أن تم اعتقاله ... فقط ... لأن قناته تحاول كشف الحقائق بالصور والوثائق بصورة مباشرة وحية
فماذا لو علم كل الناس .... هذه المعلومات..... الا ترون أن الصورة سوف تتغير ..... وأن الأمور سوف تعود الى نصابها .... وأن الأحداث ستأخذ حجمها الحقيقي الذي أعلنه الناطقون باسم حماس وسط تجاهل إعلامي مقصود بعيد عن المحايدة والتحليل
لو تناولت الفضائيات العربية والصحف العربية هذه الأحداث الخطيرة بهذه الصورة المدققة والتي لا ينفع في ظروفها وملابساتها إلا تناولها بهذا الأسلوب
فوسائل الإعلام تناولت الموقف من زاويا ذات منطق مثير إعلاميا ( الفلسطينيين بيموتوا في بعض )
أو( شوفوا الإخوان حيعملوا ايه لما يمسكوا الحكم )
أو ( خسارة فيكم اهتمامنا وتبرعاتنا يا فلسطينيين )
او ( حماس أنشأت الدولة المستقلة حمسستان )
أو ( حماس تنزع العلم الفلسطيني من مقر الرئاسة )
لكنها في الحقيقة لم تعد الحق لأهله ..... ولم تقف مع الحكومة المنتخبة المقالة .... ولم تغطي المسيرات الحاشدة التي أيدت حكومة هنية ورفضت قرار إقالتها ... مما جعلها تبعد كل البعد عن مهمتها الأساسية
أما عن أعداد القتلى فقد كان من الممكن أن تصل أعداد القتلى الى أضعاف أضعاف ما صارت اليه إذا ما استمرت حالة الفلتان الأمني المقصودة والموجهة عن بعد من القيادة الاسرائيلية لإفشال حكومة حماس .... ووقتها سيكون الدماء دماء طاهرا لشهداء مقاومين بدلا من ان تكون دماء نجسة لعملاء متورطين
ولعل الوضع الذي يعيش فيه محمد دحلان ورشيد أبو شباك وسمير المشهراوي - وهم جميعا قادة الانفلات الأمني ومهندسوه - وضع صعب للغاية لا يحسدون عليه خصوصا بعد أن فروا الى مصر أثناء الأحداث وتركوا جنودهم وسط معامع الأحداث .... الأمر الذي دفع عمر سليمان يوبخ دحلان في القاهرة ويحمله مسؤولية ما حدث بعد أن فضحت الأحداث الذراع المصرية الداعمة بالمال والسلاح لهذا التيار الانقلابي , كما أنه فضح الدور المصري ( اللي بوشين ) والذي يعلن عن وفود أمنية لمساعدة القضية .... بينما هو يطعن المقاومة في ظهرها بإمداداته المتواصلة لذلك التيار الانقلابي
الأمر الذي يفسر سرعة اعتراف مصر بحكومة عبا س اللاشرعية بدلا من حكومة الوحدة الوطنية المنتخبة
ولا ننسى هنا أن نوجه التحية للمملكة العربية السعودية وقطر لرفضهما الاعتراف بشرعية حكومة عباس !
فقد أوردت جريدة الدستور المصرية يوم الأحد 17/6/2007 خبرا بعنوان :
عمر سليمان يوبخ دحلان في القاهرة ويحمله مسؤولية ما حدث في غزة .. وعناصر فتح يطالبونه بالاستقالة
رئيس المخابرات المصرية سخر من هزيمة 20 الف من رجال دحلان أمام بضعة الاف من قوات حماس ... وسأله عن السلاح والمال اللذين كان يحصل عليهما من مصر
وجاءت تفاصيل الخبر كالتالي:
أشارت أنباء واردة الى أن قيادات بارزة من فتح على رأسهم ( محمد دحلان ) تعرضوا لتوبيخ شديد في القاهرة –مساء الأربعاء الماضي –أثناء اجتماع جمعهم مع اللواء عمر سليمان وبخلاف دحلان كان هناك أيضا ( رشيد أبو شباك ) و( سمير المشهراوي ) اللذان هربا من غزة الى القاهرة وقتما كان رجالهما يقاتلون وكان الصراع ملتهبا في القطاع ... وأفادت تصريحات نشر بعضها راديو اسرائيل , أن اللواء سليمان حمل دحلان ورجاله مسؤولية الانفلات وليس حماس , كما حملهم مسؤولية الهزيمة أيضا وإحراج الدور المصري وإلصاق تهمة الفشل به , ساخرا من قادة فتح ومن فكرة انتصار بضعة الاف من حماس على ما لا يقل عن 20 الف مقاتل فتحاوي حصلوا على دعم بالمال والسلاح من مصر عن طريق طلبات قادتهم , كما وجه عمر سليمان – وفقا لتقرير نشره موقع عرب 48 الفلسطيني – اتهاما لدحلان ورجاله بتقديم معلومات مضللة للحكومة المصرية عن الوضع في غزة .
ويرى الفتحاويين أن الغضب المصري على محمد دحلان دفعه إلى إعداد خطة بديلة من الجانب الأردني من أجل تنفيذ تكتيك مضاد لحركة حماس وقواتها , في الوقت الذي تجري فيه مشاورات كثيرة داخل مكتب حركة فتح من أجل دعوة تطلقها القيادات الصغيرة في فتح لمحاكمة قادة الحركة الذين تسببوا فيما حدث , وقد يكون دحلان على رأس القائمة التي تضم القادة الذين يطالب الفتحاويون بمحاكمتهم . انتهى الخبر

ويبقى السؤال....الذي نوجهه لهذا النوع من وسائل الإعلام الذي ينقل الأحداث المزورة والتي تعيد الى الأذهان أيام التعتيم الأعلامي , فهي اليوم تمارس التعتيم والتضليل معا , هل تستغل هذه الفضائيات والصحف جهلنا أم تستغل ثقتنا فيها النابعة من تغطيتها لبعض الأحداث المحلية بشيء من النقد المحبب لنفوسنا حينما يكون موضوعيا ؟؟ أم أنها تستغل انتشارها وشهرتها ومساحتها الواسعة عند جموع الناس ؟؟؟؟أم أن بعضها تعتمد على الإثارة وهدفها التربح دون اعتبار لأخلاق المهنة أو مواثيقها ؟؟؟ أسئلة حائرة تنتظر الإجابة .... الإجابة العملية ...بالتغطية الموضوعية والتي تشعر المشاهد بالحقيقة ..... فالحقيقة أن الأمر ليس اقتتالا فلسطينيا فلسطينيا وإنما اقتتال فلسطيني صهيوني .



التوازن في الخطاب الإعلامي لخدمة القضية الوطنية

أ. خضر محمد أبو جحجوح
[ 11/06/2007 - 09:40 ص ]

تسارع بعض وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية إلى نشر ما تروجه ماكينة الإعلام الصهيونية، دون تدقيق في معطيات الخبر المنشور وتداعياته وانعكاساته على اتجاهات الرأي العام العالمي، والمحلي.

تصيب في بعض الأحيان وتقع في حبائل ما يريده المطبخ الإعلامي الصهيونيّ، بدون قصد في بعض الأحيان، ظنا من تلك الوسائل أن الأخبار والمعلومات المقدمة تصب في خدمة المصلحة الوطنية العليا، وتخدم مشروع المقاومة.

فعلى سبيل المثال حين تكون الهجمة الصهيونية الشرسة على أبناء الشعب الفلسطيني في أوجها، بالقصف الجوي والأرضي والبحري على المدنيين في بيوتهم ومصانعهم وورشاتهم ومزارعهم ومدارسهم، ينبغي الانتباه إلى أن سلم أولويات الخطاب الإعلامي الموجه للرأي العام ينبغي أن يصب في خانة فضح الممارسات الصهيونية بالتركيز على حجم التدمير الصهيوني وبشاعته؛ ببث صور قصف المنشآت المدنية وتفحم المواطنين وتدمير ممتلكاتهم، والتركيز الذي أقصده، هو تركيز متواصل وفق برامج مدروسة مع إيجاد قنوات اتصال مباشرة ويومية مع وكالات الأنباء العالمية، مع الانتباه إلى نشر الحقائق من زاوية النظر الفلسطينية الواقعية.

كما ينبغي توجيه لغة الخطاب فيما يتعلق بمواقع القوة التنفيذية في سياقها الطبيعي؛ ببيان أن هذه المواقع ليست مواقع عسكرية بالمعنى المعروف في لغة الخطاب العسكري الدولي، كما يظن كل من يسمع الخطاب الإعلامي حتى هذه اللحظة، وإنما هي عبارة عن مراكز لا تختلف عن مراكز الشرطة المدنية، تستخدم لأغراض الأمن وحماية المواطنين من القتلة واللصوص وتجار المخدرات والحفاظ على الشارع الفلسطيني من عبث المجرمين.

ولكن نبرة الخطاب الإعلامي حتى هذه اللحظة تبرز المواقع وكأنَّها ثكنات عسكرية مسلحة مزودة بكل ما يتخيله عقل مستقبل الخطاب على مستوى العالم، خصوصا حين تتزامن هذه اللهجة مع لهجة الخطاب الإعلامي الصهيوني التي تروج دائما أنها لا تستهدف مدنيين البتة، وإنما تستهدف مواقع عسكرية ومطلقي صواريخ ومشاركين في أفعال المقاومة.

يؤكد هذا الخلل في الخطاب الإعلامي المحلي تزامن القصف الصهيوني مع عرض صور إطلاق صواريخ المقاومة، حتى إن بعض الوسائل الإعلامية كانت تركز الصور على بطاريات صواريخ (أرض/أرض) التي كانت تستخدم في حرب بيروت إبان الاجتياح الصهيوني للبنان، وكأنها تستخدم في المقاومة في اللحظة التي تبث فيها.

لذلك حين تشتد الهجمة الصهيونية، لا ينبغي المبالغة في إبراز صورايخ المقاومة للرأي العام العالمي، فالأمر رغم أهميته لمستوى تعبئة الجبهة الفلسطينية الداخلية والعربية، والحرب النفسية الموجهة لزعزعة استقرار الجبهة الصهيونية الداخلية وتفكيكها، يبرز الأمر في نظر من لا يعرفون طبيعة ما يدور في فلسطين وكأنه سياق حرب طبيعية بين جيشين يمتلك أحدهما ترسانة مسلحة من ضمنها صورايخ متوسطة المدى، وربما أسلحة غير تقليدية وبيلوجية وصورايخ بالستية كما يحب العدو الصهيوني أن يروّج للرأي العام العالمي، عبر ما يمتلك من قدرات إعلامية محلية وعالمية هائلة، وجيش يشن هجمات لصد القوة التدميرية الهائلة لهذه الصواريخ، مع أن العدو الصهيوني في حقيقة الأمر يشن حربا تدميرية بشتى أنواع الأسلحة المتطورة لتدمير الشعب الفلسطيني والنيل من قوته وعزيمته، وما إطلاق صواريخ المقاومة وجملة أفعال المقاومة إلا ردود طبيعية للمقاومة المشروعة في فلسطين، ومع ذلك فالعدو الصهيوني ووكلاؤه في المنطقة، وأنصاره في العالم، يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى قلب الحقائق وتصويرها على غير حقيقتها، فيزداد حجم التأييد العالمي معززا حجم التأييد المتأسس على تجاذبات المصلحة وتوازنات القوى في العالم.

ولا يفوتني أن أتوجه بنصيحة الحريص للناطقين الإعلاميين بأن يحسنوا الخطاب في كل ما يتعلق بحجم أسلحة المقاومة وعددها وأنواعها وآخر تطوراتها وأعداد المقاومين، ووسائلهم، لكي لا تفقد المقاومة عنصر المفاجأة والمباغتة، فهما عنصران من أهم عناصر الإثخان في العدو وإرباكه في أحرج المواقف وأشدها ضراوة، ولنترك للعمل الميداني البرهنة العملية على قدرة المقاومة، بالآثار العملية المترتبة على منجزاتها، دون اضطرار للمزيد من التصريحات والتوضيحات التفصيلية الاستباقية، مع الانتباه إلى أن متغيراتٍ كثيرة سياسية وعسكرية وميدانية وجيوسياسية قد تحول دون أن يواكب القول عمل؛ فيأخذ العدو احتياطاته ويبني مخططاته بناء على معلومات جاهزة بين يديه. ويكون لذلك تأثير عكسي على مستويات الجبهة الفلسطينية الداخلية، وإن الدول تحرص على التكتم على أسلحتها وعتادها، ولا تسرب منها إلا ما تريد لإحداث حالة من توازنات الرعب والحرب النفسية.

ينبغي عليهم إذن إيجاد حالة من التوازن بين المعطيات والحقائق على أرض الواقع، والخطط المستقبلية لإيجاد تغيير مرجو وواقع مأمول بشكل علمي مدروس لا تكون فيه للعواطف مجال إلا بقدر محدود مدروس، لأن تغلب العاطفة قد يخرب الكثير من المنجزات والخطط.

لذلك ينبغي على العاملين في مجال صناعة الخطاب الإعلامي وصياغته الانتباه إلى فرق جوهري بين مستويين من مستويات الخطاب الإعلامي:

المستوى الأول هو المستوى العالمي عبر رسالة الخطاب الموجهة نحو الخارج لصناعة رأي عام تتشكل معه اتجاهات لدعم القضية الوطنية الفلسطينية، من خلال بيان تداعيات المأساة التي يحياها الشعب الفلسطيني ، وحجم الهجمة الصهيونية بكافة الأسلحة على شعب فلسطيني أعزل لا يمتلك إلا قليلا من مقومات القتال المادية، والكثير من مقومات الصمود المعنوية.

ومن هنا ينبغي على وسائل الإعلام المختلفة، أن تركز على القصف اليومي وضحاياه وما ينتج عنه من شهداء وجرحى وتدمير للمنازل ومرافق ومقومات البنى التحتية في مجالات الزراعة والصناعة وكافة مقومات الاقتصاد. مع الإلحاح على تكرار المشاهد بشكل يومي منهجي، والعمل على توصيل الرواية الفلسطينية الصحيحة إلى أكبر قدر ممكن من وسائل الإعلام العالمية ومحركات الخطاب الإعلامي والسياسي المؤثرة في الرأي العام وصناعة اتجاهاته.

والمستوى الثاني: هو المستوى المحلي ضمن حدود التعبئة المعنوية للشعب الفلسطيني من جهة، وآليات الحرب النفسية الموجهة للجبهة الصهيونية الداخلية من خلال توجيه خطاب إعلامي يبرز مقومات الصبر والصمود وعدم الرهبة رغم ما تمارسه آلة الحرب الصهيونية، وإعلاء شأن المقاومة ووسائلها القتالية التي توجد حالة من الذعر والرعب داخل الجبهة الداخلية للعدو رغم بدائيتها وقلة إمكانياتها ودقتها، مع قدرة على المناورة السياسية المبرمجة وتحسين مستوى أدائها للعمل بشكل متوازن.

وفي الوقت نفسه ينبغي تطوير آليات الوصول والانتشار وامتلاك وسائل موازية ومكافئة بل ومتفوقة على وسائل الخطاب الإعلامي الصهيوني الذي يسعى جاهدا إلى توصيل الرسائل التي يريدها للرأي العام العالمي والمحلي، وفي هذا السياق أرى أنَّ وسائل الإعلام المحلية نجحت في التركيز على المستوى الإعلامي الثاني الموجه للجبهة الداخلية؛ فاختلط الأمر بين المستويين دون تمييز بين معطيات المادة الإعلامية الموجهة على الصعيدين العالمي والمحلي.

قد يقول قائل إن حجم التعاطف مع العدو الصهيوني لا ينبني على قدرته الإعلامية فقط، بل يتعداها إلى ارتباطات سياسية وعسكرية واقتصادية إقليمية ودولية وفق سياسة تبنى على المصلحة وتوازنات القوة في العالم اليوم، ولن يتأثر الرأي العام العالمي برواية الضعفاء، وهذه المقولة في جزء منها صحيحة ولكن ينبغي عدم التسليم المطلق بها، بالطريقة نفسها التي استطاعت فصائل المقاومة عدم التسليم بنظرية التفوق العسكرية وعملت على كسرها وإحباطها يوما بعد يوم، بتطوير وسائل المقاومة بإمكانات محدودة بدأت من الحجر والزجاجات الحارقة حتى وصلت إلى البنادق والألغام وراجمات الهاون والصواريخ، فالعمل الحثيث على كسر نظرية التعاطف مع العدو الصهيوني محليا ودوليا جزءٌ لا يتجزأ من مهمة الخطاب الإعلامي المتوازن، وهذا يقتضي قدرة فائقة على المواجهة الإعلامية بتسخير الوسائل المتاحة، وتسخير الإمكانات المتوفرة جميعها، والسعي الحثيث إلى وحدة إعلامية في الوقت نفسه الذي تسعى فيه الفصائل إلى الوحدة الوطنية ، كما يقتضي الأمر إيجاد جيل من الإعلاميين المهنيين المتخصصين، ذوي القدرة الفائقة على سبر معطيات الواقع لتحقيق التوازن في شتى المجالات التي تؤسس الخطاب الإعلامي؛ لخدمة القضية الوطنية، وبرنامج المقاومة على المستويين العالمي والمحلي.


إلي مشعلي الفتنة الفلسطينية: حذار من الحسابات الخاطئة

بقلم ضياء رشوان

مرة أخري يطل سيناريو «الفوضى البناءة» برأسه بصورة دموية مأساوية مجتاحاً الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، متخذاً هذه المرة هيئة هذا القتال الضاري الدائر بين مقاتلي حركتي فتح وحماس.

وقبل الدخول إلي تفاصيل هذا السيناريو الذي يتخذ هذه المرة أبعاداً أخطر وأبعد من الأراضي الفلسطينية و الفرقاء المتقاتلين فيها، لابد من تحديد طبيعة ما يجري اليوم في تلك الأراضي، وهل هو بالفعل «انقلاب» قامت به حركة حماس علي الشرعية الدستورية بقوة السلاح، كما شاع مؤخراً في بعض وسائل الإعلام والكتابات والتعليقات، أم هو شيء آخر؟

وحقيقة الأمر أن ما يجري - وجري - سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية من جانب حماس أو من جانب فتح، بالرغم من الإدانة الكاملة له، لخروجه ليس فقط علي الاتفاقات التي التزم بها الطرفان سواء في القاهرة أو في مكة عدة مرات بل وعلي تراث الوحدة الوطنية الفلسطينية، لا يمكن اعتباره بأي حال انقلاباً ضد الشرعية بأي معني.

فمن ناحية الشرعية الدستورية والسياسية في الأراضي الفلسطينية تقوم سواء في الرئاسة الفلسطينية أو في المجلس التشريعي أو في حكومة الوحدة الوطنية علي الطرفين معاً، وهما يمثلانها بصور مختلفة في تلك المستويات والمؤسسات جميعاً.

ومن هنا فمن الصعب، بل والمستحيل، القول إن أحدهما قد انقلب علي نفسه بالانقلاب علي الشرعية التي يعد كل منهما طرفاً أصيلاً فيها، إلا إذا اعتبرنا أن التقاتل والكر والفرق بينهما حول الأجهزة الأمنية هو ذلك المقصود بالانقلاب كما يراه البعض.

وهنا يكمن الخطأ الفادح في التحليل والموقف، فالأجهزة الأمنية ليست هي جوهر ومؤسسات الشرعية السياسية والدستورية والشعبية التي يستند إليها الطرفان ويشكلانها معاً، بل هي مجرد أدوات لضبط المجتمع وحماية أمنه الداخلي والخارجي بالاستناد إلي تلك الشرعية. وهنا يظهر الخطأ الثاني في مقولة «الانقلاب» الرائجة،

فإذا كانت الشرعية السياسية والدستورية موزعة بين فتح وحماس شعبياً ومؤسسياً، فلماذا يري البعض، في سيطرة حماس علي مقار الأجهزة الأمنية وبعض المقار السياسية في قطاع غزة، «انقلاباً» بينما لا يري في سيطرة فتح علي نظيراتها في الضفة الغربية «انقلاباً» أيضاً؟

الإجابة لا توجد فقط بداخل الأراضي الفلسطينية وبين الأشقاء الفرقاء المتقاتلين فيها، بل هي توجد في رؤية أبعد وأوسع بكثير من هذه الأراضي المحدودة وهذين الطرفين المباشرين في الصراع، تمتد لتشمل أنظمة وحكومات ونخباً عديدة سواء في العالم العربي أو في الدول الغربية أو بالطبع في إسرائيل. تشكلت تلك الرؤية من مصادر ثلاثة رئيسية ودارت بصورة محورية حول العداء لحركة حماس والسعي الدءوب لإفشال تجربتها غير المسبوقة في إدارة حكومة السلطة الفلسطينية بعد أن وصلت إليها بانتخابات حرة ونزيهة أقر بها الجميع.

المصدر الأول هو إسرائيل بمختلف قواها وأجنحتها السياسية، والتي رأت أن برنامج حركة حماس المقاوم يصطدم جذرياً مع المشروع الصهيوني، بالرغم من المرونة التي أبدتها الحركة بعد انتخابها في بعض القضايا الجوهرية خاصة قبولها قيام دولة فلسطينية علي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في الخامس من يونيو ١٩٦٧، إلا أن إصرار حماس علي حق العودة والانسحاب الكامل من تلك الأراضي جعل منها العدو الأول وربما الوحيد فلسطينياً للدولة العبرية.

المصدر الثاني أتي من الولايات المتحدة الأمريكية والتي بالإضافة إلي انحيازها المعهود لما تراه إسرائيل، فإن الأجنحة المحافظة الجديدة في إدارتها ألبست حماس رداء «الإرهاب الإسلامي»، الذي راحت تحاربه بجنون منذ هجمات سبتمبر ٢٠٠١ واعتبرتها جزءاً من هذا العدو الغامض الذي لم تضع له تعريفاً واضحاً في أي وقت من حربها الشعواء المتواصلة.
أما المصدر الثالث فهو العديد من الأنظمة العربية التي تعيش مؤرقة من اتساع وتمدد شعبية الحركات الإسلامية السلمية في مجتمعاتها، والتي رأت في نجاح حماس الانتخابي «مصيبة» لم يمكن تجنبها، والتي باتت تري في نجاحها في إدارة حكم الأراضي الفلسطينية «مصيبة» أكبر لا يجب تركها تقع بعد وقوع الأولي.

تلك هي المصادر الثلاثة التي شكلت الرؤية التي وجدت في الساحة الفلسطينية من يؤيدها ويديرها عن غفلة أو عن اقتناع، وأضيفت إليها أخطاء كبيرة وقعت فيها قيادة حماس المركزية وبعض من قياداتها المحلية والميدانية، لنصل اليوم إلي ما يجري من صراع الأشقاء وما يتم ترويجه من تصورات وسيناريوهات للمستقبل.

فالإلحاح المتواصل علي أن ما جري هو «انقلاب» مسلح قامت به حماس «الإسلامية» علي الشرعية تمهيداً لقيام «إمارة حماس الإسلامية» أو «غزستان» أو دولة «حماسستان» التي تشبه أفغانستان تحت سيطرة حركة طالبان، إنما هو التعبير الطبيعي عن التقاء المصادر الثلاثة السابقة في رؤية واحدة لما يجري في الأراضي الفلسطينية تحقق لكل منها ما يطمح إليه من مصالح خاصة به وتمهد الطريق أمامها جميعاً للخلاص كل من عدوه الذي هو حماس في فلسطين أو نظير لها في مكان آخر.

إن خطورة تلك الرؤية ليس فقط ترويجها والحشد الإعلامي والسياسي حولها، بل المضي السريع في اتخاذ خطوات وقرارات سياسية وأمنية واقتصادية لتطبيقها علي الأرض اعتقاداً بأن لحظة حصار حماس واستئصالها قد حانت ولا يجب تفويتها.

إن هذا الاعتقاد الخاطئ الذي تقوم عليه تلك الرؤية لن ينتج عنه سوي مزيد من التعقيدات التي ستتجاوز حدود الأراضي الفلسطينية الضيقة والصغيرة لتمتد في مظاهر وصور قلاقل و اضطرابات شديدة الخطورة، لا يمكن توقع نتائجها، إلي كل دول ومجتمعات المنطقة، ولتضاف إلي ما هو قائم فيها منذ غزو العراق لنصبح بالفعل في قلب سيناريو «الفوضى البناءة».

No comments: